الخميس، 26 أغسطس 2010

حنظلة شاهد العصر الذي لايموت


مقتطفات من كتابي الذي واجهت صعوبات في الموافقة على طباعته:
ناجى العلى الفنان الذى حول فرشاة الرسم إلى مدفع رشاش، وقطرات الألوان إلى رصاصات لم
تعرفها الحضارة من قبل، لم يكن من السهل الكتابة عن الفنان الذى رسم انكساراتنا وإن كثرت وانتصاراتنا وإن قلت. انه الرسام غير العاديّ وابن الثورة الفلسطينيَّة والمخلص لها، الذي اغتيل في إحد شوارع لندن.

كغيره من أبناء فلسطين نشأ ناجى العلى فى الشتات بعيداً عن الأرض التى شهدت أولى لمساته والسماء التى زفر فيها أول أنفاسه، كانت آلام الغربة رفيقه الأول لكنها لم تتمكن من محو أحلامه التى لم تكتمل، ولا رؤيته التى تكونت تحت شمس مخيم اللاجئين، فخرج من بين هذه الحطام عملاقاً لم يعهده هذا العصر الذى ظن أن القوة فى السلاح وحده؛ عملاقاً ربك أعتى الرجال والمؤسسات بسلاح واحد فقط فى يده فتاك يصيب أهدافه بدقة وسهولة وقوة وهو قلم وريشة ناجى العلى.

مرّ قرن ونصف القرن والكاريكاتير الصحفي سلاح إعلامي أخّاذ، ساخر، ذكي .. وجارح.
منذ قرن ونصف القرن لم يتم اغتيال إلا رسام كاريكاتير واحد بسبب رسومه،
هذا الرسام اسمه ناجي العلي. عندما أطلق الرصاص عليه في إحد شوارع لندن صيف عام 1987هبّ الوسط الثقافي والسياسي والإعلامي ليستنكر الإغتيال بأسطع الكلمات وأقواها، وليعلن وقوفه الى جانب الضحية شاجباً عمل المجرمين أو من يقف وراءهم، وليسمي ناجي العلي ضميراً للقضية الفلسطينية ومعبراً عن إرادة المقاومة الباسلة لدى شعبه.

ناجي العلي شخصية خرافية .. ورسام مبدع .. مزج الكلمة بالريشة .. ووضع رسم الكاريكاتير في موقع استثنائي في تاريخ الكاريكاتير العربي الحديث.
وقتها وعلى مدى أكثر من عام ازدحمت الصحف بالمقالات والبيانات والقصائد والرسوم عن ناجي الفنان والقضية.

ولأنه ناجي العزة و الصمود

ولأنه ناجي فلسطين

ولأنه ناجي الإباء و الوفاء

ولأنه ناجي حنظلة و أحمد مطر وغسان كنفاني

..... و لأنه ناجي المنفى و التشريد

فقد ما يزال يعيش بين ظهرانينا بسيرته العطرة و طفله حنظلة.. طبع في ذاكرتنـا ..برسوماته عشقناه من تلك الرسوم (حنظله) كان الابرز والابرع بتصوير همومه وهموم شعب كامل او شعوب عربيه .. ولن يحتاج الفلسطينيون اليوم إلى ذاكرة تذكرهم بناجي العلي؛ فلم تمحُ الأيام الحالكة ذكراه وكأنه يعيش بينهم ومعهم فوجه حنظلة ابن ناجي العلي " ابن القضية أيضا" لازال يرافقهم في شوارع المخيمات ويطل بوجه على بيروت وغزة كل صباح، فلن ينسى الفلسطينيون ناجي وابنه حنظلة وغسان كنفاني واخيراً محمود درويش لأنهم الذين شكلوا مثلثاً أدبياً كاملاً للأدب الفلسطيني في الشعر والرواية ورسم الكاريكاتير ؛فحكايات غسان كنفاني لازالت نبراسا له ترقي بها أوجاعهم،. وقصائد درويش بقيت ظاهرة إنسانية مميزة وعلامة بارزة في الشعر العربي والأدب الملحمي المصهور بالمعاناة ، ورمزاً لقضية وبلد وشعب ووطن "على هذه الارض من يستحق الحياة".أما قلم ناجي العلي يختلف عن باقي الأقلام لأنه تحول إلى ريشة يرسم بها رسوماته التي صورت الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني - ولا أبالغ – إنها عبرت أكثر من الشعر والنثر والرواية في تجسيد قضيتهم على تسجيل نبضهم وألمهم ومعاناتهم وقهرهم - ولا أظن - أن النجوم تموت ولا تأفل ، أنها فقط تحتجب لفترة خلف الغيوم ،ومن ثم تعود مجددا ..حتى وإن كانت قد غادرت مكانها من ملايين السنين .



فمن هو ناجي العلي وطفله حنظلة ؟
وهل بقي حنظلة شاهد العصر الذي لا يموت؟
لقاء عابر في أول الستينيات مع الكاتب غسان كنفاني (*)غيّر مجرى حياته.
فلقد أطلعه على عدد من رسومه. فلمس كنفاني موهبته وحماسته فنشر له رسماً في مجلة "الحرية"
يمثل خيمة على شكل بركان، ستشكل له تلك اللحظة النقلة الأهم في حياته وتعاطيه مع قصة الرسم.

رحل ناجى العلى عام 1963 للكويت وعمل رساماً ومخرجاً ومحرراً صحافياً بمجلة (الطليعة الكويتية) وكان الهدف من عمله فى تلك الفترة جمع المال لدراسة الفن فى القاهرة أو فى إيطاليا، لكنه ترك الكويت وعاد إليها عام 1968 ومكث يعمل فى جريدة (السياسة الكويتية) وبقي فيها رسام كاريكاتير حتى عام حتى عام 1975.ثم عرض عليه العمل في جريدة "السفير" اللبنانية في وقت كان الانقسام السياسي في لبنان قد بلغ مبلغه،
وراحت رهانات القوى اللبنانية تفرز بحد السكين القوى السياسية والاجتماعية،
وتترك ظلالها القوية على كل وسائل الإعلام، في هذه التربة يجد ناجي منبره المثالي حيث لا حسابات وسطية، فالعالم السياسي حوله مقسوم الى أبيض وأسود.

عام 1977 أصبح يعمل لصحيفة "السياسة" الكويتية إضافة الى "السفير" حتى عام 1982 في هذه الحقبة كانت رسومه تمس كل الأطراف، من الأعداء المعلنين: إسرائيل وأمريكا، الى قائمة دول الاستبداد العربية الى كل أعداء العرب وفلسطين، فرسم عن الديموقراطية، والبترول، والمخيمات، والفقر، والمعتقلين السياسيين، والخلافات العربية، والخلافات الفلسطينية، والتنازلات المعلنة والمضمرة،
وكانت في كل ذلك نجمة الصبح لها إسم واحد: فلسطين.
وانتخب عام 1979 رئيساً لرابطة الكاريكاتير العرب، ثم ترك بيروت عام 1983 متوجهاً إلى الكويت للعمل فى جريدة (القبس الكويتية) حتى أكتوبر من عام 1985.

ترك ناجى العلى الوطن العربى كله عام 1985 وتوجه للعمل فى جريدة (القبس الدولية) بلندن حتى اغتياله عصر يوم 22 يوليو عام 1987.


للكلام عن رسوم ناجى العلى يجب علينا الكلام عن كل من رفضوا الحقيقة السوداء والواقع المرير الذى غلف الحياة العربية فى تلك الفترة –فترة ضياع فلسطين- والتى نحيا الآن نتائجها فى الوطن العربى كله لا فى فلسطين فحسب.

كان "حنظلة" طفل ناجى العلى الذى اختصر فيه طفولة فلسطين المشردة بين المخيمات؛ شاهداً على كل ما رسم وكل ما نشر يشارك مرة بإلقاء الحجارة ومرة يكتفى أن يكون متفرجاً وحسب، ظل "حنظلة" الرمز الذى تركه ناجى العلى ورائه لا يموت أبداً شاهداً على ما يجرى حتى الآن.

ليست هناك تعليقات: